کد مطلب:355662 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:342

آیة التطهیر و أزواج النبی


لكن یبقی هناك فی جهة النفی بحث یتعلّق بقولین:

أحدهما:

ما ینقل عن عكرمة مولی عبدالله بن عباس، فهذا كان یصرّ علی أنّ الایة نازلة فی خصوص أزواج النبی (صلی الله علیه وآله وسلم)، حتّی أنّه كان یمشی فی الاسواق ویعلن عن هذا الرأی، ویخطّئ الناس باعتقادهم باختصاص الایة المباركة بأهل البیت، ممّا یدلّ علی أنّ الرأی السائد عند المسلمین كان هذا الرأی، حتّی أنّه كان یقول: من شاء باهلته فی أنّ الایة نازلة فی أزواج النبی خاصّة، وفی تفسیر الطبری: إنّه كان ینادی فی الاسواق بذلك [1] ، وفی تفسیر ابن كثیر إنّه كان یقول: من شاء باهلته أنّها نزلت فی نساء النبی خاصّة [2] ، وفی الدر المنثور، كان یقول: لیس بالذی تذهبون إلیه، إنّما هو



[ صفحه 17]



نساء النبی [3] .

فهذا هو القول الاوّل.

لكنّ هذا القول یبطله:

أوّلاً: إنّه قول غیر منقول عن أحد من أصحاب النبی (صلی الله علیه وآله وسلم).

ثانیاً: قول تردّه الاحادیث الصحیحة المعتبرة المعتمدة المتفق علیها بین المسلمین.

ثالثاً: هذا الرجل كان منحرفاً فكراً وعملاً، وكان معادیاً لاهل البیت ومن دعاة الخوارج.

أذكر لكم جملاً ممّا ذكر بترجمة هذا الرجل:

كان خارجیّاً بل من دعاتهم، وإنّما أخذ أهل أفریقیّة هذا الرأی ـ أی رأی الخوارج ـ من عكرمة، ولكونه من الخوارج تركه مالك بن أنس ولم یرو عنه.

قال الذهبی: قد تكلّم الناس فی عكرمة لانّه كان یری رأی الخوارج، بل كان هذا الرجل مستهتراً بالدین، طاعناً فی الاسلام، فقد نقلوا عنه قوله: إنّما أنزل الله متشابه القرآن لیضلّ به الناس، وقال فی وقت الموسم أی موسم الحج: وددت أنّی بالموسم



[ صفحه 18]



وبیدی حربة فأعترض بها من شهد الموسم یمیناً وشمالاً، وإنّه وقف علی باب مسجد النبی وقال: ما فیه إلاّ كافر، وذكر أنّه كان لا یصلّی، وأنّه كان یرتكب جملة من الكبائر.

وقد نصّ كثیر من أئمّة القوم علی أنّه كان كذّاباً، فقد كذب علی سیّده عبدالله بن عباس حتّی أوثقه علی بن عبدالله بن عباس علی باب كنیف الدار، فقیل له: أتفعلون هذا بمولاكم؟ قال: إنّ هذا یكذب علی أبی.

وعن سعید بن المسیّب أنّه قال لمولاه: یا برد إیّاك أن تكذب عَلَیّ كما یكذب عكرمة علی ابن عباس.

وعن القاسم بن محمّد بن أبی بكر الذی هو من فقهاء المدینة المنوّرة: إنّ عكرمة كذّاب.

وعن ابن سیرین: كذّاب.

وعن مالك بن أنس: كذّاب.

وعن یحیی بن معین: كذّاب.

وعن ابن ذویب: كان غیر ثقة.

وحرّم مالك الروایة عن عكرمة.

وقال محمّد بن سعد صاحب الطبقات: لیس یحتج بحدیثه.

هذه الكلمات بترجمة عكرمة نقلتها: من كتاب الطبقات لابن



[ صفحه 19]



سعد، من كلمات الضعفاء الكبیر لابی جعفر العقیلی، من تهذیب الكمال للحافظ المزّی، من وفیّات الاعیان، من میزان الاعتدال للذهبی، المغنی فی الضعفاء للذهبی، سیر أعلام النبلاء للذهبی، تهذیب التهذیب لابن حجر العسقلانی [4] .

هذه خلاصة ترجمة هذا الشخص.

لكن الحافظ ابن حجر العسقلانی فی شرحه علی صحیح البخاری، فی مقدمة هذا الشرح [5] ، له فصل یدافع فیه عن رجال صحیح البخاری المقدوح فیهم، عن الرجال المشاهیر المجروحین الذین اعتمدهم البخاری، فیعنون هناك عكرمة مولی ابن عباس ویحاول الذبّ عن هذا الرجل بما أُوتی من حول وقوّة.

إلاّ أنّكم لو رجعتم إلی كلماته لوجدتموه متكلّفاً فی أكثرها أو فی كلّ تلك الكلمات، وهذه مصادر ترجمة هذا الشخص ذكرتها لكم، ومن أراد التوسع فلیرجع إلی الكتب التی ذكرتها.

ومن طریف ما أُحبّ أن أذكره هنا: إنّ عكرمة وإنْ أخرج عنه البخاری، لم یخرج عنه مسلم، عكرمة أعرض عنه مسلم وإن



[ صفحه 20]



اعتمده البخاری، ومن هنا قالوا: إن أصحّ الكتب كتاب البخاری وكتاب مسلم، وأصحّهما كتاب البخاری، فلامر ما قدّموا البخاری!! ولی أیضاً شواهد علی هذا.

سأقرأ لكم حدیث الثقلین من صحیح مسلم، والبخاری لم یرو حدیث الثقلین فی صحیحه، سأذكر لكم ـ إن شاء الله ـ حدیثاً عن صحیح مسلم فیه مطلب مهمّ جدّاً یتعلّق بالشیخین، وقد ذكره البخاری فی صحیحه فی مواضع متعددة وحرّفه وذكره بألفاظ وأشكال مختلفة.

إذن، كون عكرمة من رجال البخاری لا یفید البخاری ولا یفید عكرمة إنّه ربّما یحتجّ لوثاقة عكرمة باعتماد البخاری علیه، ولكن الامر بالعكس، إنّ روایة البخاری عن عكرمة من أسباب جرحنا للبخاری، من أسباب عدم اعتمادنا علی البخاری، ولو أنّ بعض الكتّاب المعاصرین ـ ولربّما یكون أیضاً من أصحابنا الامامیّة ـ یحاولون الدفاع عن عكرمة، فإنّهم فی اشتباه.

وعلی كلّ حال، فالقول باختصاص الایة المباركة بأزواج النبی، هذا القول مردود، إذ لم یرو إلاّ عن عكرمة، وقد رفع عكرمة رایة هذا القول، وجعل ینشره بین الناس، وطبیعی أن الذین یكونون علی شاكلته سیتقبلون منه هذا القول.



[ صفحه 21]



الثانی:

وهو القول بأنّ المراد من أهل البیت فی هذه الایة المباركة: أهل البیت ـ أی علی وفاطمة والحسنان ـ والازواج أیضاً.

هذا القول إذا رجعنا إلی التفاسیر المعتبرة، لوجدنا مثل ابن الجوزی فی كتابه زاد المسیر فی علم التفسیر [6] ، الذی هو من التفاسیر المشهورة، ینسب هذا القول إلی الضحّاك فقط، ولم نجد فی كتاب ابن الجوزی وأمثاله من یعزو هذا القول إلی غیر الضحّاك.

أتری أنّ قول الضحّاك وحده یعارض ما روته الصحاح والسنن والمسانید عن ابن عباس، وعن جابر بن عبدالله، وعن زید بن أرقم، وعن سعد بن أبی وقّاص، وعن أُمّ سلمة، وعن عائشة؟

وعجیب، إنّ هؤلاء یحاولون أن یذكروا لزوجات النبی فضیلة، والحال أنّ نفس الزوجات هنّ بأنفسهنّ ینفین هذا القول، فأُمّ سلمة وعائشة من جملة القائلین باختصاص الایة المباركة بأهل البیت، وكم من عجیب عندهم، وما أكثر العجب والعجیب عندهم، یحاولون الدفاع عن الصحابة أجمعین اكتعین كما یعبّر



[ صفحه 22]



السید شرف الدین رحمة الله علیه: أجمعین أكتعین، والحال أنّ الصحابة أنفسهم لا یرون مثل هذا المقام لهم، نحن نقول بعدالتهم جمیعاً وهم لا یعلمون بعدالتهم؟!

فأُمّ سلمة وعائشة تنفیان أن تكون الایة نازلة فی حقّ أزواج النبی، ویأتی الضحّاك ویضیف إلی أهل البیت أزواج النبی، وكأنّه یرید الاصلاح بین الطرفین، وكأنّه یرید الجمع بین الحقّین.

لكنّی وجدت فی الدر المنثور [7] حدیثاً یرویه السیوطی عن عدّة من أكابر المحدّثین عن الضحّاك، یروی عن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) حدیثاً یتنافی مع هذه النسبة إلی الضحّاك.

وأیضاً: الضحّاك الذی نسب إلیه ابن الجوزی هذا القول فی تفسیره، هذا الرجل أدرجه ابن الجوزی نفسه فی كتاب الضعفاء، وذكره العقیلی فی كتاب الضعفاء، وأورده الذهبی فی المغنی فی الضعفاء، وعن یحیی بن سعید القطّان الذی هو من كبار أئمّتهم فی الجرح والتعدیل أنّه كان یجرح هذا الرجل، وذكروا بترجمته أنّه بقی فی بطن أُمّه مدّة سنتین.

وهذا ما أدری یكون فضیلة له أو یكون طعناً له، وكم عندهم



[ صفحه 23]



من هذا القبیل، یذكر عن مالك بن أنس أنّه بقی فی بطن أُمّه أكثر من سنتین أو ثلاث سنوات علی ما أتذكّر الان، وراجعوا كتاب وفیّات الاعیان لابن خلّكان وغیره.

وعلی كلّ حال، فإنّا نرجع إلی ما فی الصحاح، والافضل لهم أن یرجعوا إلی ما فی الصحاح، وهذا ما دعا مثل ابن تیمیّة إلی أن یعترف بصحّة حدیث نزول الایة فی أهل البیت الاطهار واختصاصها بهم، وأمّا عكرمة والضحّاك وقول مثل هذین الرجلین المجروحین المطعونین، فإنّما یذكر لتضعیف استدلال الامامیّة بالایة المباركة، والذاكرون أنفسهم یعلمون بعدم صلاحیّة مثل هذه الاقوال للاستدلال.


[1] تفسير الطبري 22 / 7، ابن كثير 3 / 415.

[2] ابن كثير 3 / 415، الدرّ المنثور 5 / 198.

[3] الدرّ المنثور 5 / 198.

[4] طبقات ابن سعد 5 / 287، تهذيب الكمال 20 / 264، تهذيب التهذيب 7 / 263، المغني في الضعفاء للذهبي 2 / 84، ميزان الاعتدال 3 / 93، وغيرها.

[5] هدي الساري مقدّمة فتح الباري: 524.

[6] زاد المسير في علم التفسير 6 / 381.

[7] الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور 5 / 199.